ربما توشك أفريقيا والولايات المتحدة الأميركية على إبرام صفقة شراكة جديدة بينهما، لا تقوم على تلقي المساعدات أو الاعتماد الأفريقي على واشنطن، وإنما على شراكة الأفكار والرؤى والاستثمارات القادرة على حفز ازدهار ورفاه الطرفين. ولكي تبدأ هذه العلاقة المتطورة بين الجانبين، فلا بد لهما أن يبدآ إحداث تغييرات رئيسية ملحة على طبيعة الصلة التي تربط بينهما حالياً. فمن جانبها تحتاج أفريقيا للاعتراف بأهمية ما عبر عنه الرئيس الأميركي باراك أوباما خلال مخاطبته لبرلمان غانا في شهر يوليو المنصرم: \\\"إن لازدهار القطاع الخاص أهمية كبرى لنهوض المجتمعات الأفريقية القادرة التي يعول عليها وتحسب لها شفافيتها. فمن دون نمو قطاع خاص يتسم بالحيوية والديناميكية، لن يكون في وسع أي مجتمع الازدهار. والحق أن المجتمعات الأفريقية قد تباطأت كثيراً في توفير الظروف الملائمة لنمو استثمارات خاصة نشطة وديناميكية\\\". وينبغي لأفريقيا أن تتبنى من السياسات ما يعزز أنظمة حكمها ويدفع النمو الاقتصادي في بلدانها، حتى يتهيأ المناخ لنمو قطاع خاص قوي ومبتكر. فهذه هي أكثر الاستراتيجيات استدامة وقدرة على إحداث التحولات الاجتماعية الاقتصادية في دول القارة. كغيرها من البلدان الأفريقية لا أستطيع أن أصف وطني رواندا بالمثالية ولا الكمال، ولكن يمكن القول إنها تواصل بناء أسس صلبة للاستقرار وتحسين المستوى المعيشي لكافة مواطنيها. وقد ساهم ذلك في تقوية مستوى الاندماج الاجتماعي وتحقيق قدر أكبر من العدالة بين الجنسين. ذلك أن رواندا قد دفعت بمستوى مشاركة النساء في الإنتاج والازدهار الاقتصاديين، بينما يتميز البرلمان الرواندي بأنه الأول عالمياً من ناحية تشكيل النساء لغالبية عضويته. وتمكنت رواندا من الانتقال من مرحلة اللا استقرار إلى عقد المصالحة الوطنية بين أطرافها المتحاربين، وصولا إلى التنمية الاقتصادية المستدامة، اعتماداً على \\\"استراتيجية رؤية 2020” التي تبنتها. وتقوم المبادئ الأساسية لهذه الاستراتيجية على تحقيق الاستقرار في مجال الإنتاج الاقتصادي العام، وخلق الثروات الوطنية من أجل تقليل اعتمادنا على العون الأجنبي، وكذلك الانتقال من نمط الاقتصاد الزراعي إلى الإنتاج الاقتصادي القائم على المعرفة، مع ما يصحب ذلك من نمو قطاع الخدمات. فوق ذلك كله شرعت رواندا قوانين مضادة للفساد وداعمة لأجندتها الوطنية الطموحة. وقد شهدت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون بالتقدم الذي تحققه رواندا وبأهمية السياسات التي تتبعها بلادنا لطالما أنها \\\"سياسات تقوم على الأدلة الواضحة والنتائج التي يمكن قياسها والحكم عليها\\\". جاء ذلك أثناء حديث لها في كينيا، أثناء زيارتها لها في الخامس من شهر أغسطس المنصرم. كما تتصدر رواندا قائمة دول العالم كافةً من حيث الإصلاح الاقتصادي، وفقاً لما تضمنته نص تقرير البنك الدولي المعنون بـ Doing Business 2020. وتكتسب التوصيات الواردة في خطاب الرئيس أوباما بتاريخ 11 يوليو المنصرم، أهمية بالنسبة لبلاده، بقدر ما هي مهمة بالنسبة للقارة الأفريقية. فقد جاء في ذلك الخطاب قوله: \\\"إن من شأن ازدهار الاقتصادات الأفريقية أن تساهم في ازدهار اقتصادنا القومي، تماماً مثلما يسهم أمنها الصحي في أمن صحة العالم كافةً\\\". والحق أن لارتباط الاقتصاد الأميركي بالأسواق الأفريقية أهمية كبيرة، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية العالمية الراهنة وما تمثله القارة من إمكانات اقتصادية واعدة باعتبارها سوقاً جديدة مربحة. وليس كافياً أن تمد واشنطن يد العون لأفريقيا بدافع الإشفاق والتعاطف مع شعوبها الفقيرة، إنما يلزمها أن تعمل معها من أجل بناء اقتصادات دولها وتحسين مستويات معيشة شعوبها. ولطالما دعمت أميركا تقديم المساعدات الإنسانية والاقتصادية للقارة. لكن ينبغي عليها اليوم أن تعترف بأن دول القارة اليوم باتت في وضع يمكنها من تقديم العون لها. ونحن نثمن من جانبنا قانون \\\"فرص النمو الأفريقي\\\" الذي سنه الكونجرس الأميركي. كما نعترف بقصور دول القارة عن تحقيق الفرص الهائلة التي يوفرها لها ذلك القانون، وعلينا تحمل المسؤولية عن ذلك التقصير. ولكن على الولايات المتحدة أن تزيد حجم تمويلها لشركاتها الراغبة في الاستثمار الاقتصادي في دول القارة، من خلال مؤسساتها المالية الرئيسية مثل \\\"بنك التصدير والاستيراد الأميركي\\\" و\\\"شركة الاستثمارات الخاصة الأجنبية\\\" وغيرهما. وبالمقارنة فإن مساهمة الولايات المتحدة الأميركية في الأسواق الأفريقية لا تزال أقل بكثير عن مساهمتها في الأسواق الآسيوية، بينما تتفوق الصين عليها من ناحية توفير القروض الاستثمارية في أفريقيا بحوالي 30 ضعفاً. هذا ويجب القول إن سعة وتعدد حاجات القارة الأفريقية للنمو، تكفي لتوسع استثمارات كل من أميركا والصين فيها. كما يجب القول أيضاً إن توسع الاستثمارات الأميركية في دول القارة سوف تتمخض عنه المزيد من الفرص التي تعود بعض أرباحها إلى الخزانة العامة الأميركية دون شك. وعلى أميركا أيضاً أن تدعم المبادرات الإقليمية الأفريقية، خاصة وأن التنمية الاقتصادية لا تقف عند حدود الدول الوطنية وحدها. فتنمية اقتصادات القارة بحاجة ماسة إلى بناء الطرق والجسور والمطارات والموانئ البحرية والتكنولوجيا الحديثة وغيرها. ويمكن للشركات الأميركية أن تتنافس على مستوى المشروعات الوطنية والمبادرات الإقليمية الأفريقية الكبرى الأوسع نطاقاً. ولدى لقائي بأوباما وغيره من قادة الدول في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي ينعقد خلال الشهر الجاري بمدينة نيويورك، وكذلك خلال لقائي به في قمة مجلس الاستثمارات الأميركية-الأفريقية التي تعقد في واشنطن، سوف أحرص على تذكير القيادة الأميركية بأهمية تقديم المساعدات إلى دول القارة. غير أن أفضل المساعدات على الإطلاق هي تلك التي تدفع بالاستثمار في البنية التحتية للاقتصادات الوطنية لدول القارة وتعزيز قطاعاتها الخاصة. بول كاجامي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ رئيس جمهورية رواندا ينشر بترتيب خاص مع خدمة \\\"لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست\\\"